Saturday, May 17, 2008

مسودة محاضرتي عن ثقافة و استراتيجيات اللاعنف و خلط المفاهيم




فيما يلي مسودة المحاضرة التي ألقيتها بتاريخ 15 أبريل عن "مفهوم و استراتيجيات اللاعنف و حاجة مجتمعاتنا لها" و الحمد لله تمت المحاضرة بشكل طيب و كان رد الفعل عليها من خلال الإيميلات التي وصلتني فيما بعد و التغطية الصحفية لها و تعليقات الحضور في جلسة الرواق ممتاز جدا.. و أنا أنشرها هنا بناءا على طلب البعض، طبعا النص التالي لا يحتوي على كل شيء تم في المحاضرة و لكن بوجه عام كان هو الأساس الذي أقمت عليه المحاضرة بكاملها:


مساء الخير عليكم جميعا، أنا داليا زيادة مدير مكتب الشرق الأوسط و شمال أفريقيا التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي الأمريكي أو إختصارا باللغة الأنجليزية AIC

هي مؤسسة غير ربحية و غير حكومية مقرها الرئيسي هو واشنطن دي سي و لها فروع في كل من بوسطن و البصرة و القاهرة.

مكتبنا في بوسطن يتولى إدارة مبادرة همسة، HAMSA و هي بالإنجليزية اختصار ل

Hands Across Mideast Support Alliance

تحالف الإيدي لنصرة الشرق الأوسط

مكتبنا في العراق يعمل على مشروع توعوي كبير يحمل عنوان عهد العراق، كانت له إسهامات كبرى في إعادة بناء المدارس و نظام التعليم و مساعدة المرأة العراقية من خلال تقديم الدعم المادي و النفسي و إعادة التأهيل بعد الحرب الآثمة على العراق.

أما مكتبنا في القاهرة و الذي أشرف بإدارته منذ افتتاحه في شهر سبتمبر 2007 يعمل على ثلاثة قضايا رئيسية هي الحريات المدنية و تحديدا حرية الرأي و التعبير و حرية استخدام الانترنت في الشرق الاوسط، وثانيا قضايا المرأة و أهم المشاريع التي نقوم بها حاليا هو مشروع لمواجهة التوغل الأصولي في الشارع المصري من خلال استهداف المرأة في الطبقات القاعدية إيمانا منا بأن التغيير الحقيقي ليس هو القائم على تغيير القوانين و لكن القائم على تغيير عقليات العامة، و ثالثا نعمل على نشر مباديء و أفكار و استراتيجيات اللاعنف في الحصول على الحريات المدنية

و هذا هو عنوان محاضرتنا اليوم و التي أعتقد أنها تأتي في وقتها المناسب جدا في ظل أحداث الاعتصامات و الإضرابات التي تشهدها مصر الآن.

أولا ما هو مفهوم اللاعنف؟

التعريف الرسمي أو الأكاديمي للاعنف هو: فلسفة و استراتيجية تهدف إلى تحقيق التغير في المجتمع دون اللجوء إلى العنف الجسدي

بمعنى آخر:

اللاعنف هو المنطقة الوسطى بين الاستسلام و السلبية / و بين العنف و الإيذاء الجسدي في مواجهة القمع الذي تمارسه الدولة على المواطنين. بمعنى آخر فإن العمل غير العنيف هو العمل القائم على تجنيب السلاح و القوى الجسدية و إعمال العقل من أجل تحليل المشاكل الكبرى و تفتيتها إلى مشكلات صغيرة و العمل على حل كل من المشكلات الصغيرة على حدة بحيث تحل المشكلة الكبرى في النهاية، و هو عمل قائم على إدارة الصراعات من خلال مخاطبة الجانب النفسي و العقلي في البشر.

خلط المفاهيم:

  1. اللاعنف و السلم: يفسرها البعض أو يترجمها في العربية إلى الحل السلمي أو الحل الغير عنيف. الحل السلمي هو الحل الذي يكون فيه جهة تحكيم و يكون كلا طرفيه يسعى إلى تحقيق السلام من خلال التوصل إلى اتفاق وسط، أما العمل الغير عنيف فهو بين طرفين أحدهم يملك القوة و السلطة و راغب في بقاء الوضع على ما هو عليه و الطرف الآخر يملك الحيلة و المكر و يستخدمهم لإحداث التغيير لصالحه. فحين يتعرض الطرف الأضعف للقهر و القمع فإنه يكون مضطر للجوء لطريق من أثنين إما استخدام العنف لصد العدوان الواقع عليه، و هنا النتيجة معروفة مسبقا، و هي ببساطة مزيد من العنف و مزيد من القهر لهذا الضعيف، حتى أن الطرف الأقوى – الذي هو دائما الأظلم أيضا – يجد مبررا قويا للمبالغة في ممارسة العنف ضد الطرف الأضعف، أما الطرف الاضعف إن لجأ للحل الغير عنيف، فسوف يكسب أرضا أكبر لأنه أولا لن يجد الطرف الأقوى سببا لممارسة المزيد من العنف ضد الطرف الأضعف، و سيهدأ من تلقاء نفسه، و سيبدأ في التفكير و التعامل مع الطرف الأضعف على أنه إنسان له الحق في الحصول على نفس الحقوق.

أمثلة على السلم: السادات و اتفاقية السلام

أمثلة على اللاعنف: غزل المحلة و مارتن لوثر كينج و مطالبة البهائيين بذكر الديانة في بطاقات الهوية

  1. اللاعنف و السلبية أو الاستسلام: أغلب المناهضين لمباديء اللاعنف هم من يتبنون مقولات مثل ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة و ما أخذ بحد السيف لا يسترد إلا بالسيف، لكن بالرغم من أحترامي الشديد إلى قائلي هذه المقولات فإن التجربة و التاريخ أثبت فشلها. هذا لأننا دائما نربط فكرة العمل غير العنيف بالسلبية، مع اننا لو أمهلنا أنفسنا دقائق قليلة جدا لنفكر سنكتشف أن هذا كلام غير منطقي بالمرة لأن السلبية تعني عدم العمل على الإطلاق، و القبول بالوضع القائم أيا ما كان، أما العمل الغير عنيف فهو عمل يهدف إلى إحداث ثورة صامتة ضد كل مظاهر القهر.

إلى أي مدى يرتبط العمل غير العنيف بمجتمعاتنا؟ و هل هو فكرة مستوردة لا تتناسب و ظروفنا الاجتماعية؟

تعالوا نحلل تلك المسألة على ثلاثة محاور:

المحور الإنساني، و المحور الديني، و المحور السياسي

- المحور الإنساني:

جميعنا يتفق على أننا جميعا بشر بغض النظر عن جنسياتنا و دياناتنا و توجهاتنا السياسية و ألواننا إلخ، و كلنا أيضا يتفق على أن العمل غير العنيف هو عمل قائم على مخاطبة الجانب العقلي و النفسي داخل النفس البشرية.. و من ثم يمكننا الخروج بنتيجة مهمة جدا ألا و هي أن العمل غير العنيف يصلح لأي مكان و زمان و يمكن تطبيقه في التعامل مع كافة البشر مهما بدت عليهم من شراسة، و على جميع المستويات أيضا بدءا من الحياة الشخصية و إلى المشكلات السياسية الكبرى

- المحور الديني:

و هنا أحب أركز على الدين الإسلامي و الدين المسيحي بوجه خاص، أولا لأنهم أكثر ديانتين أحمل عنهما معلومات بشكل شخصي و ثانيا لأن أبناء الديانتين يشكلان السواد الأعظم من سكان المنطقة العربية، في الدين المسيحي دعوة عامة للتصالح مع الآخر و قبول الاختلافات مع الآخر، و أشهر أقتباس أحب أذكره هنا هو قول المسيح "أحبوا أعدائكم" و مدى النبل الإنساني الواضح فيها من خلال فكرة التعامل مع الآخر دائما على أنه إنسان، مهما بدا عليه من شراسة فهو في النهاية إنسان و معاملتك له بهذه الطريقة سيساعدك بكل تأكيد على النظر إليه كإنسان.

أما في الدين الإسلامي، فالقصة طويلة جدا، لأن البعض أو في الحقيقة الغالبية العظمى تنظر إليه على أنه دين دموي انتشر بحد السيف، مركزين على الحقائق التاريخية و أيات القرآن التي لعبت دور الحق الذي يراد به باطل، و تناسوا مثلا أحاديث و آيات قرأنية تدعو إلى نبذ العنف و اللجوء للحلول السلمية مثل "و إن جنحوا للسلم فأجنح لها" و "أدفع بالتي هي أحسن" و الحيث الأشهر للرسول محمد عليه الصلاة و السلام "ليس الشديد بالصرعة و لكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب

المقصود من ذلك هو أن من يدعي أن العمل غير العنيف هو فكرة مستوردة لا تتفق و ديننا مردود عليه و كلامه غير صحيح بالمرة.

- المحور السياسي:

بالتقليب قليلا في صفحات التاريخ المصري و العربي سنكتشف أن العمل غير العنيف لم ينشأ على يد غاندي في الهند و مارتن لوثر كينج جونيور في الولايات المتحدة، و لكنه في الحقيقة نشأ عندنا قبلهم، فمثلا كانت أحد الحقائق التي أذهلتني بشكل شخصي أن أحد الحركات التي ألهمت غاندي للقيام بثورته في الهند كانت ثورة 1919 التي قامت عندنا في مصر و التي كانت عبارة عن شهور من العصيان المدني ضد الاحتلال البريطاني في الاسكندرية و القاهرة شاركت فيه كل طبقات الشعب من كتاب و طلاب و اساتذة و عمال سكك حديد و تلغراف و بريد و كمان شارك فيها نساء في الوقت التي كانت النساء "حريم" و عورات لا تخرج إلى الشارع إلا تحت نقاب. و كانت أيه النتيجة؟ كانت النتيجة إن بريطانيا العظمى بجلالة قدرها اعترفت باستقلال الأراضي المصرية المشروط. صحيح أنه كان استقلال مشروط لكنه كان الخطوة الأعظم و الأهم خطوة غيرت تاريخ مصر بلا شك.

و في المجتمع المدني أيضا أنظر إلى ما وصل إليه الأخوة البهائيين اليوم!!

أي أن العمل غير العنيف ليس عمل دخيل على مجتمعاتنا و إن جاز التعبير يمكن القول بأننا نحن المصريين أول من أبتدعه

الختام:

و أخيرا أنا بشكل شخصي أرى أن بعد السنوات الطويلة التي عانى فيها المصريين من السلبية و الاستسلام أحيانا و العنف و الألم أحيان كثيرة أخرى، آن الآوان لتبني مفهوم جديد في حل قضايانا القومية و الإصلاحية ألا و هو العمل غير العنيف و استراتيجيات اللاعنف.

قبل أن أختم، أحب أوزع عليكم نسخ من أحدث الإصدارات التي أصدرتها منظمتي المؤتمر الإسلامي الأمريكي. و هو كتاب مصور بعنوان "قصة مونتجومري" يحتوى على عدد من القصص الملهمة لكل إصلاحي في مصر مهما كان عمره أو توجهه السياسي، في الحقيقة النسخة الأصلية من هذا الكتاب صدرت في العام 1952 عقب أحداث مونتجومري و ثورة الزنوج في أمريكا و كان له دور كبير في إلهام الحركات الإصلاحية في العالم فيما بعد، و اليوم نحن نعيد إعادة نشره باللغة العربية إيمانا منا بأن الشرق الأوسط بحاجة ماسة الآن و الآن تحديدا لتبني مبادئ جديدة غير عنيفة في إدارة صراعاته الداخلية و الخارجية على حد سواء.