Saturday, February 23, 2008

تبت أيديكم – عن الضمير العربي و الغناء العربي




خاص ثروةمصر - كتب: محمد عطية

فى وسط الحصار وفى عز البرد و تحت آنين و بكاء الأطفال و عويل النساء تطالعنا إحدى الفضائيات كل ساعه و تعلن عن أوبريت يدعى الضمير العربى.

أولا تلك هى المرة الأولى منذ أن تفتحت عيناي على الدنيا أسمع عن شىء اسمه "الضمير العربي" و كأن الضمير العربي طفل تائه و الآن جهابذه الفضائيات ينادون عليه! و يبدو أن موسم البكاء و العويل على طريقة: (جايز ظلام الليل يبعدنا يوم إنما يقدر شعاع النور يوصل لأبعد سما) بدأ و مع الاسف. و لا شوفنا شعاع و لا حسينا بنور و لا حتى فتيل لمبة جاز توحد ربها فى تلك الأيام القارصة البرودة بينما حكامنا على رأى عمنا احمد فؤاد نجم:

"مارأيكم دام عزكم يا انتيكات

يا محبوسين فى المأكولات والملبوسات

يا دافينين ومولعين الدفايات

يا بتوع نضال آخر زمن فى العوامات"

وكأن الحال لم يتغير جيفارا مات وغزة تحت الحصار و العراق يموت و هم لازالوا على شاكلتهم و إن تغيروا فالحال واحد. بالطبع حكامنا ميئوس الأمل فيهم (مرمي طوبتهم) و لا ننتظر منهم أى تحرك مهما كانت أهميته و من الأجدى توفير الوقت و المجهود فى الإتصالات الرسمية و غير الرسمية لوقف المعاناة حيث لن تجدى و لن تنفع.

أما بسلامتهم مطربينا الأفذاذ عجيب أمرهم بيتعاملوا مع القضايا الوطنيه و بالأخص القضيه الفلسطينية بمنطق السبوبة و أهي مشاركة و السلام و كأن دور المطرب هو الغناء داخل المذبحة و فوق أتلال الخراب و تحت قصف الطيران فى وقت لا صوت فيه إلا صوت المعركة.

استوقفنى خبر عن قصيده غنتها الرائعه جوليا بطرس (لبنانيه – مسيحيه) لسماحه السيد حسن نصر الله (مسلم – شيعى) بعنوان (أحبائى) و تبرعت بإيرادات مبيعات السى دى الخاص بالقصيدة و قامت بعمل جوله فنيه بغرض جمع مليون دولار لأهالي شهداء الجنوب في القصف الإسرائيلى إبان الحرب على لبنان و قد وفقها الله و قامت بجمع 3 مليون دولار و قامت هى بنفسها بتسليم تلك المبالغ يدا بيد لأهالى الجنوب و هذا ليس بجديد على جوليا بطرس فالمتابع الجيد لأعمالها بدءا من (إحنا الثورة والغضب) مرورا بـ (وين الملايين الجيش العربى وين) و حتى رائعتها (أحبائى) سيجدها حتما لا تغنى وسط الهوجه أو تهرول لعمل أغانى تتحدث عن قضايا مهمة و وطنيه وهى بعيدة كل البعد و كل الفهم عما يحدث و للأسف فالكل يعتقد أن لبنان هى هيفاء و نانسي و باسكال و دومنيك و نسوا أن لبنان الحقيقى فيروز و الرحبانية و جوليا بطرس و مارسيل خليفة.

أستوقفني خبر أدهشنى عن قيام المطربه الكولومبية (شاكيرا) ببناء مؤسسه تدعى (آليس) وتعنى بالأسبانية (الأجنحة) وتخصيص مبلغ 30 مليون دولار حسبما جاء فى الخبر لصالح تطوير التعليم والصحه فى دولتين من دول امريكا اللاتينيه و ادهشني أكثر هو أن مطربة مثل شاكيرا لا نرى فيها سوى جسد يتلوى و يتراقص أمام الجميع على المسرح على دراية كاملة بأوضاع فقراء قارتها و اهتمامها بأن يكون التعليم و الصحه هو حق و واجب لكل طفل و قامت بتسمية المؤسسة "اليس" حيث اشارت الى ان التعليم والصحه هما الجناحان اللذان نحلق بهما نحو تنميه أفضل و نحو مجتمع سليم.

أما مطربونا العظام الذين يتجولون فى أسواق دبى و باريس و لندن و يركبون السيارات الفارهة و يتركون شركات إنتاج ليذهبوا إلى شركات أخرى مقابل دولار زيادة فى العقد لم يفكروا سوى فى سبوبة الضمير العربى و بعد أن أفقنا من غيوبه الحلم العربى الذي تعاملوا معه فى وقتها على أنه حدث الألفية و من يقتنى تلك الأغنية كأنه اقتنى جرام زئبق أحمر اتحفونا بالضمير العربى فالمطرب الكبير سوف يتنهد و يكشر و يعقد حاجبيه و هو يلقي بالجزء المخصص له في الاستديو ثم تتبعه المطربه الفاتنة و هي متخلية عن ميكياجها الصارخ وقارا و إجلالا للحدث ثم تزرف دمعتين لزوم التصوير و تلقي بالكلمتين و تذهب إلى بيتها تنام نومة هادئة لا تبالي و كأن دورهم أقتصر على الغناء بل قل المزايدة على القضية بتلك الأوبريت الأهبل الذي لن يختلف عما سبقه و بعد ذلك كما يقول المثل الشعبى خالتى و خالتك و اتفرقوا الخالات!!

الحلم العربى الذى بنى من أساسه على مصالح فنيه بين حميد الشاعرى و فرقته و بين حلمي بكر و فرقته بعد إيقاف حميد الشاعرى عن العمل جاء إلينا هذا الوهم العربى ليعلن حالة المصالحة فى أغنية من ألحان صلاح الشرنوبى و حلمي بكر و من توزيع حميد الشاعري و كانت تلك فرصة و نقطة إنطلاق لبعض المطربين الذين لم يكن لهم أي جمهور مصرى.

أما الضمير العربى فتطالعنا شاشه زووم يوميا بإعلانات تلك الأوبريت ثم تستأنف الهرج الفنى الذى تبثه يوميا دون أدنى حس و تتعامل معه بمنطق إعلاني بحت حيث أن يوم بث الأوبريت ستكون نسبة المشاهدة عالية و هذا سيجر من ورائه إعلانات و أرباح لا طائل لها و كأن دورهم هو الغناء والمساندة بالبلدى كده (بؤيئى).

المقاومة بالغناء له أصول و قواعد إنما باوبريت لن يسمعه سوانا إذن (إحنا بنغنى ونرد على نفسنا) لا الغرب استمعوا و أدركوا فداحة المذابح و لا تحركنا نحن و أنقذنا الموقف هل القائمين على الكليب أدركوا أن مسألة التعاطف وحدها لا تكفى الأمة العربية التي تصحو فيها كل يوم على مذابح في العراق و اغتيالات في لبنان و حصار فى غزه هل هذا الاوبريت سيفيقها من غيبوبتها؟ أشك نحن لم تعد تأثر فينا لا أخبار مذابح أو اغتيالات أو حصار نحن فقدنا القدرة على البكاء حتى من كثرة المصائب و لم نعد نندهش مما يحدث.

يا جهابذه الفضائيات و يا مطربينا الأفاضل فكوا عنا أنتم الآخرون لن يفيدنا غناكم فى شيء لن يمنع الحصار و لن تتوقف المذابح و لن يشفي مرضانا و لن يرحم شيوخنا و يهدىء من لوعة أراملنا أو يضحك أطفالنا. يا جهابذة الفضائيات و يا مطريبنا الأفاضل الموت و الحصار و البرد سبق كل شيء و مات الكلام و لم يعد يفيد الغناء في شيء.

و استعير هنا كلمات الأستاذ الفاضل حمدي قنديل في حلقته الممنوعة من برنامج رئيس التحرير:

فلسطين لا تحتاج إلى دعم ...

فلسطين لا تحتاج إلى مال ...

فلسطين لا تحتاج إلى اجتماعات...

فلسطين لا تحتاج إلى بيانات...

فلسطين لا تطلب سوى السلاح ...

أعطوها السلاح أو فلتفكوا أيديكم عنها...

تبت أيديكم تبت أيديكم تبت أيديكم!